أحدها: أن مقتضى ما ذكره في الدم الكثير رجحان مقالة الأولين لأنهم أكثر عددًا، ولهذا صرح النووي بتصحيحه في أصل "الروضة" لكن رجح الرافعي في "المحرر" مقابله فقال: أحسن الوجهين عدم العفو، واستدرك عليه النووي فصحح في "المنهاج" من زياداته ما صححه في "الروضة" وغيرها.
الأمر الثاني: أن محل ما تقدم من العفو مطلقًا إنما هو في الثوب الملبوس إذا أصابه ذلك من غير تعمد، فإن لم يلبسه بل حمله في كمه أو فرشه وصلى عليه أو لبسه، ولكن كانت الإصابة بفعله بأن قتل قملة أو برغوثًا في ثوبه أو بدنه أو بين أصبعيه فتلوث به، فإن كان كثيرًا لم تصح صلاته، وإن كان قليلًا فوجهان:
أصحهما: العفو، كذا قال النووي في "التحقيق" ونقله في "شرح المهذب" عن المتولي، وأقره وأشار إليه أيضًا الرافعي في كتاب الصيام فقال: لو فتح فاه عمدًا حتى وصل الغبار إلى جوفه فقد قال في "التهذيب": أصح الوجهين أنه يقع عفوًا، وهذا الخلاف كالخلاف فيما إذا قتل البراغيث عمدًا، وتلوث بدمائها هل يقع عفوًا؟ وذكر القاضي ما يوافقه فقال: لو كان الثوب الملبوس زائدًا على عام لباس بدنه لم تصح صلاته لأنه غير مضطر إليه، والذي قاله يقتضي منع زيادة الكم إلى الأصابع وليس ثوب آخر لا نعرض من تحمل ونحوه.
قوله: ولو كان قليلًا فعرق وانتشر اللطخ بسببه ففيه الوجهان المذكوران في الكثير واختيار القاضي حسين أنه لا يعفي عنه لمجاوزة محله، واختيار أبي عاصم العبادي: العفو لتعذر الاحتراز. انتهى.
وهذا الكلام ظاهر في مساواة هذه المسألة للمذكور في الدم الكثير، حتى يأتي [فيها](١) ما تقدم جميعه وقد صرح بالمساواة في "المحرر"