أما الحديثان الثالث والثاني فيدلان على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قنت في صلاة الصبح، وأن ذلك كان جواب سؤال، فالسائل سأل عن القنوت في صلاة الصبح فأجيب بالإيجاب، ولم يسأل السائل عن القنوت في غير الصبح لنرى هل يكون إثباتٌ أو نفيٌ، فلا دلالة في هذين الحديثين على حصر القنوت في صلاة الصبح، فلم يبق لهؤلاء من دليل يصلح لحصر القنوت في صلاة الصبح سوى الحديث الأول فقط وهو قوله «وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا» . ونرد عليهم بما يلي:
أ - إن هذا الحديث يعارض الحديث السابق المار قبل قليل، وفيه «صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقنت ... » رواه ابن حِبَّان والنَّسائي وابن ماجة والترمذي وابن أبي شيبة من طريق أبي مالك الاشجعي. ورواه أحمد بلفظ «قلت لأبي: يا أبتِ إنك قد صلي خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة قريباً من خمس سنين أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني مُحْدثٌ» . فكيف نوفق بين هذين الحديثين المتعارضين؟ إنه لا بد من ردِّ أحدهما أو أن نلجأ إلى التأويل.
ب - إنه قد ثبت عندنا أن القنوت إنما كان مقيداً في الصلوات المفروضة بحلول النوازل، فقد مرَّت الأحاديث الدالة على ذلك فلا نعيد، فهذه الأحاديث أيضاً تتعارض مع هذا الحديث، فإما أن نرد هذا الحديث، وإما أن نلجأ إلى التأويل، ومما يدل أيضاً على ما نقول ما رواه أنس رضي الله عنه «أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم» رواه ابن خُزَيمة. وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد، وكان إذا قال سمع الله لمن حمده قال ربنا ولك الحمد، اللهم أنج..» رواه ابن خُزَيمة. ومثله روى ابن حِبَّان، فماذا يقول هؤلاء؟.