وحيث أن الغسل المُجزئ هو الغسل الأدنى، أي هو الذي يتضمن ما يجب في الغسل فقط دون زيادات وإضافات مسنونة، فإن هذه الأحاديث الثلاثة قد أتت على أدنى الغسل، وبالتالي تبين منها أن الغسل المُجزئ هو: النية، وغسل الرأس مرة، وغسل سائر البدن مرة فقط، دون أية إضافة أخرى، فمن أتى به فقد أزال الجنابة وجازت له به الصلاة ومسُّ المصحف والطواف دون أن يحتاج معه إلى وضوء، يدل على ذلك حديث عائشة الثالث «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتوضأ بعد الغسل» .
ورب قائل يقول: إن الأحاديث في عمومها ذكرت غسل الرأس ثلاثاً والبدن مرة، فلِمَ لا يكون غسل الرأس ثلاثاً هو المُجزئ، سيما وأن حديث أم سلمة يقول «إنما يكيفك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تُفيضين عليك الماء فتطهُرين» فأدخل غسل الرأس ثلاثاً في الغسل الذي وُصف بالكفاية، بمعنى أن ما هو أقل منه غير كافٍ؟ والجواب هو أن حديث عائشة التاسع يقول «فأخذ بكفه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه» فهو يبين بشكل صريح أن الجزء الواحد من الرأس لم يغسل ثلاثاً، لأن ما أُفيض من الماء على ميمنة الرأس لم يصب الميسرة، وهذا ينفي وجوب غسل الرأس ثلاثاً، وبالتالي يفهم منه أن التثليث غير واجب. هذا هو الغسل المُجزئ.