ويصح القصر في أي سفر، سواء كان سفر طاعة، أو سفراً مباحاً، أو سفراً محرَّماً، فما يُطلق عليه وصف السفر، وحُدد بسبعة عشر كيلومتراً فأكثر احتياطاً فإنه يبيح القصر، فالعبرة بالسفر وليس بنوعه أو غايته أو المقصود منه.
[المسافر يستمر في القصر]
ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أن المسافر يصبح مقيماً إذا نوى إقامة أربعة أيام مستدلين بنهيه - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين عن إقامةٍ فوق ثلاثٍ في مكة.
وذهب أبو حنيفة إلى أن المسافر يتم صلاته إذا عزم على إقامة خمسة عشر يوماً، واحتج بقول ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: إذا أقمتَ ببلدٍ وأنت مسافرٌ وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوماً فأكمل الصلاة.
وقال الأوزاعي اثني عشر يوماً. وقال ربيعة يوماً واحداً وليلة.
والذي أراه هو أن هؤلاء جميعاً قد جانبهم الصواب، لأن منهم من استدل بحديث لا يعالج مسألتنا هذه، ومنهم من استدل بأقوال صحابة ولم يستدل بالنصوص الشرعية، وهي متوافرة في مسألتنا هذه، مع ملاحظة أنه قد روي عن الصحابة آراء متعددة مختلفة في هذه المسألة:
والصحيح الذي ينبغي القول به والمصير إليه هو أن المسافر يستمر في قصر الصلاة ما دام ينطبق عليه وصف المسافر طال السفر أو قَصُر، وكل تحديد زمني لسفر القصر هو اجتهاد مرجوح، ومتى نوى المسافر الاستيطان في مكان فقد فَقَدَ وصف المسافر وصار مقيماً يجب عليه الإتمام. فالمسافر يظل مسافراً حتى يعود لوطنه ومدينته ومكان سكناه، أو يتحول ويتَّخذ لنفسه وطناً جديداً ومكانَ إقامةٍ جديداً يقيم فيه إقامة دائمة، ويظل يقصر ما دام مسافراً ولو استمر سفره سنة أو أكثر، ولا يفقد المسافر وصف المسافر إن هو نوى الإقامة المؤقتة أياماً وأسابيع في دار السفر، وحتى لو تزوج المسافر في دار سفره من امرأة مقيمة هناك، فإنه يظلُّ مسافراً يقصر صلاته إلا إن نوى الإقامة الدائمة عندها فيُتمُّ.