أما إزالة النجاسة فلا تفتقر إلى النية، خلافاً لمالك وأحمد، وأن المطلوب فقط هو زوال النجاسة بأي شكل أو أداة أو مادة، خلافاً لمالك والشافعي وأحمد الذين أوجبوا إزالة النجاسة بالماء فحسب. فالجسم نجس ما حمل نجاسة، وطاهر ما خلا منها، والحكم إنما يكون في الحال لا في المآل ولا في سابق الوقت، فإذا كان جسم لا يحمل نجاسة حكمنا بطهارته دونما حاجة لمعرفة ما إذا كان من قبلُ نجساً أو لا، ولا كيف زالت نجاسته إن علمنا أنه كان من قبلُ نجساً، كما أننا نعُدُّه طاهراً ما دام لم يتنجس.
والنجاسات تسع: أربعٌ من الإنسان هي البول والغائط والمذي والودي، وثلاث من الحيوان هي الكلب والخنزير والميتة، وواحدة مشتركة بينهما هي الدم المسفوح، وواحدة من غيرهما هي الخمر. والنجاسات هذه لا تُطَهَّر، وإذا خالطت جسماً طاهراً نجَّسته، فصار هذا الجسم الطاهر متنجِّساً، وعلى المتنجِّس مدار البحث في إزالة النجاسة. هذا هو مجمل الكتاب، وإليكم البيان والتفصيل.
الفصل الأول
أحكام المياه
خلق الله سبحانه الأرض وغطى ثلثيها بالماء، وخلق الحيوان والنبات - وهما طعام الإنسان - خلقهما من الماء، وتوَّج مخلوقاته بالإنسان، وجعل ثلاثة أرباع بدنه ماء، وصدق الله إذ يقول {وجَعَلْنا من الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ} الآية ٣٠ من سورة الأنبياء. فالله سبحانه قد كرَّم الماء إذ جعل مدار الحياة في الأرض عليه، وجعله طَهوراً، وعلَّق به وبوجوده العديد من العبادات، فبالماء يزيل المسلم جنابته، وبه يتوضأ لتكتمل بذلك طهارته من الحدثين كي يتسنى له الوقوف أمام ربه في أجلِّ عبادة هي الصلاة، ويطوف في حجِّه حول الكعبة مبتدئاً بالحجر الأسود يمينِ اللهِ في الأرض، ويلمس المصحف المجيد، وبالماء يزيل معظم ما يصيبه من النجاسات، وبالماء ينظف بدنه وثيابه وأشياءه.