أما الأحاديث المرويَّة عن تغسيل شهداء أُحُد والصلاة عليهم، فكلها لا تخلو من مقال، وفيها علة وضعف، فلا تصمد أمام هذا الحديث الصحيح. فيبقى حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وهو «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوماً فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فَرَطٌ لكم، وأنا شهيد عليكم ... » رواه البخاري ومسلم. قوله إني فَرَطٌ لكم: مأخوذ من الفرط وهو من يسبق الناس إلى مورد الماء ليُهيِّئ لهم الحياض ويملأها بالماء، وهو هنا بمعنى أني متقدمكم إلى الحوض أو الكوثر في الجنة وستَرِدُون عليَّ. فهذا الحديث صحيح، وفيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد صلى على شهداء أحد، إلا أن هذه الصلاة منه عليه الصلاة والسلام ليست للغاية نفسها من صلوات الجنائز، وإنما هي توديع منه لهؤلاء الشهداء قبل أن يموت، فهي أشبه بتحية المودِّع للموتى، فعن عقبة بن عامر الجُهَني قال «صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أُحد بعد ثماني سنين كالمودِّع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: إني بين أيديكم فَرَط وأنا عليكم شهيد ... » رواه البخاري ومسلم. فهذه الرواية توضح أن صلاته على شهداء أحُد كانت وقفة وداع لهؤلاء الشهداء. فالشهيد لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه.