قلنا من قبل إن تحية المسجد سُنَّة مندوبة وليست فرضاً خلافاً لما توهمه بعضُهم من النصوص التي تحث كثيراً وتشدد على أدائها، فالطحاوي وأبو داود قد أخرجا حديثاً من طريق عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال «جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجلس فقد آذيتَ وآنيتَ» . قوله آنيتَ: أي تأخرتَ في المجئ. وقد قيد أبو داود قدوم الرجل بأنه كان في أثناء خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله «فجاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: اجلس فقد آذيت» . بدون قوله (آنيت) ، فلو كانت تحية المسجد واجبة لأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأدائها ولم يأمره بالجلوس.
وقلنا من قبل إن تحية المسجد تُسَنُّ في كل وقت يدخل فيه المسلم المسجد، لا فرق بين أوقات الكراهة وغيرها، ولا بين الليل والنهار، ونقول هنا باستثناء حالة جاءت بها النصوص هي حالةُ ما إذا دخل المسلم المسجد، فوجد الصلاة المكتوبة قائمة، فعندها لا تُشرع تحية المسجد، ويدخل المسلم في الصلاة المكتوبة فوراً، وذلك لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاةَ إلا المكتوبة» رواه ابن حِبَّان ومسلم وابن خُزَيمة، ورواه أصحاب السنن.
أما بخصوص صلاة العيدين، وما جاء من عدم التَّنفُّل قبلها، فإن ذلك خاص بما إذا صُلِّيت صلاةُ العيدين في المصلى، أي خارج البيوت والمدن، لأن المُصَلَّى ليس مسجداً، فلا تحيةَ له، أما إن صُلِّيت صلاةُ العيدين في المسجد فلْيصلِّ المسلم تحية المسجد، لأن حكمها عام يشمل العيدين وغيرهما.