وغنيٌّ عن البيان أن المرور من خلف السُّترة لا شئ فيه للمارِّ ولا للمصلي، ولا يُتَّخَذُ حيالَه أيُّ تصرف، وإلا لانتفت الحاجة إلى اتخاذ السُّترة، فعن أبي جُحيفة رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم بالبطحاء، وبين يديه عَنَزةٌ الظهرَ ركعتين والعصرَ ركعتين يمرُّ بين يديه المرأة والحمار» رواه البخاري. والعَنَزة: هي عصا في طرفها حديدة تُنْصَب كسُترةٍ.
وقد أشكل على عدد من الفقهاء حديث أبي جُحيفة هذا، وظنوا أن مرور المرأة والحمار إنما كان بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين سُترته، أي هم ظنوا أن المرور قد حصل من أمام السترة وليس من ورائها، مما جعلهم يستدلون بهذا الحديث على أن مرور المرأة والحمار من أمام المصلي لا يقطع الصلاة، والصحيح هو أن مرور المرأة والحمار في هذا الحديث حصل من وراء السترة وليس من أمامها، وأن قول الحديث «يمر بين يديه المرأة والحمار» لا يعني ما فهموه منه، لدلالة رواية أخرى من طريق أبي جُحيفة نفسه عند ابنِ حبان والنَّسائي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في حُلَّةٍ حمراءَ فرُكزت عَنَزَةٌ، فصلى إليها يمرُّ من ورائها الكلب والمرأة والحمار» . ولرواية من طريقه أيضاً عند مسلم وأبي داود «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عَنَزَةٌ، وكان يمرُّ من ورائها المرأة والحمار» . فقد صرحت هاتان الروايتان بأن المرور كان يحصل من وراء السُّترة وليس من أمامها.