أما ما يستحق الرد فعلاً، فهو تردد الشوكاني في القول بوجوب الوضوء على من يجد الماء، ومبعث تردده راجع إلى أن حديث أبي ذر يقول في إحدى الروايات «فإذا وجد الماء فلْيُمِسَّه بشرته فإن ذلك خير» فقد عقَّب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على طلبه مس البشرة بالماء أي الوضوء بقوله «فإن ذلك خير» فاعتبرها الشوكاني صارفةً الطلبَ عن الوجوب، فقال ما قال، والحق معه لو لم يكن لهذا الحديث لفظٌ فيه زيادة تزيل التردد وتلغي قرينة الصرف عن الوجوب، وقد غفل الشوكاني عن هذه الزيادة الواردة في حديث البزَّار، وهي:«فلْيتق الله» رغم أنه أورد هذا الحديث بهذه الزيادة في مكان، ثم غفل عن الاستدلال به فتردد. ذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام «فليتق الله» قرينة تفيد وجوب الوضوء لمن وجد الماء، لأنه لا يقال اتَّق الله إلا في معرض الواجب أو المحرَّم، ولا يقال ذلك في المندوبات والمباحات والمكروهات، فهذه اللفظة عند البزَّار قرينة تصلح لصرف الأمر إلى الوجوب، وهي مسقطةٌ لرأي من قالوا بالندب وعدم الوجوب.
أما استدلاتهم بالآية الكريمة {إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ} على وجوب الإعادة لمن صلى بالتيمُّم ثم وجد الماء في الوقت، فهو استدلال بمفهوم يعارضه منطوق حديث أبي سعيد، والمفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق، وقد روى نافع عن ابن عمر «أنه أقبل من الجُرف، حتى إذا كان بالمربد تيمَّم، فمسح وجهه ويديه وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يُعِد الصلاة» رواه الشافعي بسند حسن. ورواه عبد الرزاق بلفظ « ... فتيمَّم بالصعيد وصلى، ولم يُعِدْ تلك الصلاة» . والجُرف مكان قريب من المدينة.