وما يدعم هذا الفهم ويؤكده ما رواه عبد الله بن أبي قيس قال «سألت عائشة ... كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل أيجهر أم يُسرُّ؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، وربما جهر وربما أسرَّ» رواه أحمد والنَّسائي والترمذي وصححه. فقولها «ربما جهر وربما أسرَّ» واضح الدلالة على ما نقول، ووقع عند أبي داود ما يلي: عن غضيف بن الحارث قال «قلت لعائشة ... أرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت ... » . فقولها رضي الله عنها «ربما جهر به وربما خفت» واضح الدلالة هو الآخر على ما نقول، فقد أخرجت رضي الله عنها الخفوت من الجهر وجعلته في باب الإسرار، وإذن فإن قول الحديثين السابقين «يخفض طوراً» و «ربما خفض» يعني ترك الجهر والعمل بالإسرار، وهذا إنما هو لبيان حكم الجهر وليس لبيان قدر الجهر.
دعاءُ الاستفتاح
هو ما يقوله المصلي من ذِكْرٍ ودعاء مفتتحاً به صلاته عقب تكبيرة الإحرام وقبل الفاتحة، وهو سنَّة مستحبة، وقد وردت له عدة صيغ أصحها سنداً مع سهولة حفظها ما يلي [اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبَرَد] فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبَّر في الصلاة سكت هُنيَّةً قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبَرَد» رواه مسلم.