والفرق بين الأمر بالقضاء وبين السكوت عن القضاء أن الأمر بالقضاء يجعله من السُّنَّة، في حين أن السكوت عن فعل القضاء يجعله في دائرة التخيير. وهذا المعنى يتضمنه الحديث الذي رواه البخاري وأبو داود من طريق عبد الله المُزَني رضي الله عنه، وجاء فيه «صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سُنَّة» . وقد مر في بحث [السنن الملحقة بالسنن الراتبة المؤكدة] في هذا الفصل. فلو بقي أمره عليه الصلاة والسلام «صلوا قبل صلاة المغرب» دون قوله «لمن شاء» لاعتُبرت الركعتان قبل صلاة المغرب من السُّنة، ولثابر المسلمون عليهما، فلما قال «لمن شاء» فقد انتفت عن الركعتين السُّنِّيَّةُ ودخلتا في دائرة التخيير، فكذلك قضاء هاتين الركعتين بعد صلاة العصر، فهو في دائرة التخيير وليس في دائرة السُّنة، فمن شاء صلاهما ومن شاء تركهما، ويُستثنى من قضاء السنن سُنَّةُ الفجر فقط، فهي داخلة في دائرة السُّنِّيَّة وليس في دائرة التخيير. فركعتا الفجر من السُّنَّة قضاؤهما، لأن أمره عليه الصلاة والسلام قد تعلق به بقوله «من نسي ركعتي الفجر فَلْيُصلِّهما إذا طلعت الشمس» . فقد صدر في قضاء ركعتي الفجر أمرٌ نبوي فصار من السُّنَّة، وهذا لم يحصل في قضاء أية سُنة أخرى من السنن الراتبة والملحقة بها، فلْيحرص المسلمون على ركعتي الفجر، ولْيصلوهما في وقتهما قبل صلاة الفجر، أو بعد صلاة الفجر إن هما فاتتا.