إن القاعدة التي وضعناها للتفريق بين السنن الراتبة والسنن الملحقة بها هي أن السنن الراتبة هي تلك التي لم يُصلِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقل منها ولم يتركها بحال مطلقاً، فهذان شرطان يتوجب وجودهما في السنن الراتبة، فإن نقص أحدهما أو زالا معاً لم تعُد سُنناً راتبة، وعندها يمكن اعتبارها سنناً ملحقة بالسنن الراتبة، وهذه القاعدة تصلح في الحضر كما تصلح في السفر. وباستعراض النصوص المتعلقة بصلاة التطوع في السفر نجد أن هذين الشرطين لم يتوفرا معاً في أية سُنَّة من سنن الصلوات المكتوبات، فقد جاءت النصوص بترك جميع السنن الراتبة في السفر أحياناً إن لم نقل غالباً، فهذا الترك للسنن الراتبة في السفر ولو مرة واحدة يخرجها عن كونها سُنناً راتبة في السفر، إذ لو كانت سُنَناً راتبة فيه لأُتيَ بها فيه بشكل دائم. وعلى هذا فإنا نقول إن الشرع الحنيف لم يسنَّ أية سُنة راتبة في السفر مطلقاً، وإنما شرع للمسلمين أن يصلوا صلاة تطوُّعٍ مطلق غير مقيد، لا يصح أن يقال عنها إنها من السنن الراتبة، فعن عيسى بن حفص بن عاصم عن أبيه قال «خرجنا مع ابن عمر فصلينا الفريضة، فرأى بعض ولده يتطوع فقال ابن عمر: صليتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان في السفر فلم يصلوا قبلها ولا بعدها، قال ابن عمر: ولو تطوَّعتُ لأتممت» رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنَّسائي. وفي رواية عند أحمد بلفظ «صحبتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قبض، فكان لا يزيد على ركعتين، وأبا بكر رضي الله عنه حتى قبض، فكان لا يزيد عليها» . فهذا نص قطعي الدلالة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان لم يصلوا في السفر السنن الراتبة ولا الملحقة بها، وهذا يعني أنه لا توجد سنن راتبة في السفر، لأنه كما قلنا لا تُترك السُّنن الراتبة لأن شرطها الدوام.