٢ - إن تأويلهم منقوض ومغلوط، وذلك أن هذا النص لم يجئ في موضوع بدء القصر، وإنما جاء في موضوع تقدير مسافة القصر، وأدَعُ ابن حجر العسقلاني، وهو شافعي المذهب، وصاحب كتاب فتح الباري بشرح البخاري يرد عليهم دعواهم، فقد جاء في هذا الكتاب ما يلي [وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال:«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال - أو فراسخ - قصر الصلاة» وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بُعْدُ هذا الحمل، مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال «سألت أنساً عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة - يعني من البصرة - فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع، فقال أنس» فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها ... ] وهكذا يظهر بوضوح أن من أراد سفراً يبلغ سبعة عشر كيلومتراً أو أكثر فإن له أن يقصر الصلاة الرباعية. هذا هو الحكم الشرعي الصحيح في هذه المسألة.
أما بدء قصر الصلاة، فإنه يحصل بمجرد الخروج عن آخر بيت من بيوت المدينة أو القرية، أي بمجرد مغادرة المدينة أو القرية التي يسكنها، ويستمر في القصر إلى أن يصل إلى أول بيت من بيوت المدينة أو القرية لدى عودته من سفره. قال البخاري «وخرج علي رضي الله عنه فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة، قال: لا، حتى ندخلها» . ولا يوجد نص في هذه النقطة، فنستأنس بهذا الأثر.