للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليتهم، غفر الله لهم وعفا عنهم، أخذوا بالبنود الستة التي ذكرناها، وهي بنود صحيحة لا غبار عليها، ليخرجوا بمثل ما خرجنا به من تقديرٍ لمسافة القصر، ولكنهم لم يفعلوا، وبدلاً من أن يأخذوا النص الشرعي، ثم إن وجدوا أقوال صحابة أولوها بما يتفقوا معه أو ردوها، رأيناهم يأخذون أقوال الصحابة كتشريع، ويقومون بتأويل النص الشرعي تأويلاً بعيداً، أي هم قاموا بعكس ما كان يجب عليهم أن يفعلوا، فهذا النص الشرعي، أعني الحديث الثالث، قد أولوه بأن المقصود منه بدء القصر عند السفر الطويل بمعنى أن من نوى السفر ثلاثة مراحل، أو مرحلتين، أو أربعة بُرُد مثلاً، جاز له القصر إن هو قطع ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ، فنقلوا هذا النص من موضوعه، وهو تقدير مسافة القصر إلى آخر هو: متى يبدأ القصر؟ وشتان بين الموضوعين، ولقد أخطئوا عندما لم يتقيدوا بهذا النص في تقدير المسافة، وزاد الخطأ منهم عندما أولوه بقولهم إنه نصٌّ في بدء القصر فحسب. ولبيان هذا الخطأ نقول ما يلي:

١ - إن الإجماع عند الإئمة الأربعة هو أن من أراد أن يسافر فله أن يقصر بمجرد الخروج عن آخر بيت من بيوت المدينة أو القرية، وهذا يعني أن من غادر آخر بيت وابتعد عنه مائة متر فقط، أو حتى أقل من ذلك فإن له أن يقصر عندهم فلماذا يضعون حديث أنس في هذا المقام، وهو ينص على مسيرة ثلاثة أميال على الأقل، قبل بدء القصر عندهم؟ أليس في هذا تناقض؟ إنهم إما أن يبقوا على إجماعهم، وإما أن يأخذوا بهذا النص ويدَعوا الإجماع، لأن النص والإجماع، متعارضان هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>