للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يُنكَر أن عدداً من هذه الأحاديث صحيحة الإسناد تصلح للاحتجاج، وكان يمكن الأخذ بجميع هذه الأحاديث والقول بجواز صلاة الكسوف على صفات وكيفيات عدة لو كان قد رُوي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل كل ذلك في أوقات مختلفة وكسوفات عدة. أمَّا وأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد صلى صلاةَ كسوفٍ واحدة، وأنه عليه الصلاة والسلام قد صلَّى هذه الصلاة في السنة العاشرة للهجرة، وأنه صلاَّها يوم مات ولده إبراهيم، وأنه عليه الصلاة والسلام قد مات بعد موت إبراهيم بحوالي أربعة أشهر ونصف، ولا يُحتَمل في هذه المدة اليسيرة حصول كسوفين، وأنه قد رُوي أن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يجهلون كيفية هذه الصلاة قبل أن يصليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آنذاك، مما يدل على أنه لم يُصلِّها معهم قبل ذلك، وأن أبا شُريحٍ الخُزاعي قال «كَسَفَت الشمسُ في عهد عثمان ابن عفان رضي الله عنه وبالمدينة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: فخرج عثمان فصلَّى بالناس تلك الصلاة ركعتين وسجدتين في كل ركعة، قال: ثم انصرف عثمان فدخل داره ... » رواه أحمد والبيهقي والطبراني والبزَّار. وقال الهيثمي (رواته مُوثَّقون) ما يدل دلالة واضحة على أن صلاة الكسوف إنما تكون بركعتين وسجدتين في كل ركعة من ركعتيها، وأن هذا هو الثابت عند صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لما صلاَّها عثمان بالصحابة دون إنكار، فلما عُلِم كلُّ ذلك علمنا أن القصة متحدة، وأنه لم تكن صلواتُ كسوفٍ عدةٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل صلاة كسوف واحدة يوم مات إبراهيم قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بأقلَّ من خمسة أشهر. وإذن فإن احتمال وجود عدة كيفيات لهذه الصلاة غير وارد، فلم يبق إلا الترجيح بين هذه الروايات المتعارضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>