وأما سَجَدات المُفَصَّل الثلاث - النجم والانشقاق والعلق - فقد استدل ناس على عدم السجود فيها بأحاديث، منها ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شئ من المُفَصَّل منذ تحوَّل إلى المدينة» رواه أبو داود. وما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال «قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد» رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. فنقول لهؤلاء أما الحديث الأول ففي إسناده أبو قُدامة واسمه الحارث بن عبيد، قال عنه أحمد: مضطرب الحديث. وقال عنه أبو حاتم: لا يُحتجُّ به. وهذا الحديث ضعفه يحيى بن معين والنووي، فهو غير صالح للاحتجاج. أما الحديث الثاني فإن عدم سجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قراءة موضع سجدة لا يعني أن الموضع ليس موضع سجدة، إذ يحتمل أن يكون امتناعه عن السجود لبيان عدم الوجوب فحسب، فإذا علمنا أن هناك عدداً من الأحاديث تذكر سجوده - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الموضع، أدركنا فعلاً أن امتناعه عن السجود إنما كان لبيان عدم الوجوب. فقد مرَّ قبل قليل حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عند البخاري وغيره وفيه «قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم بمكة، فسجد فيها وسجد من معه ... » . ومرَّ حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ النجم فسجد، وسجد الناس معه ... » رواه أحمد وغيره. فامتناعه - صلى الله عليه وسلم - عن السجود مرة عند قراءة النجم يُحمل على أنه أراد بيان عدم الوجوب، ولا يدل على أن هذه السورة ليس فيها سجود.