وأصرح نصٍّ في ذلك الحديث (٧) فكون الرسول عليه الصلاة والسلام يقول إن جلد الميتة نجس فإن ذلك يدل على إلحاقه بالميتة في النجاسة، وأنه بالتالي يأخذ حكمها، وأنه بالتالي أيضاً ليس مستثنىً من الميتة كالشعر والعظم بل هو من الميتة يأخذ حكمها في التحريم والنجاسة. وأيضاً فإن العظم والشعر والصوف يستعمل دون تطهير، إذ لم يُرو عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أمر بتطهيره قبل استعماله، ولم يقع إجماع الصحابة على ذلك، في حين أن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام طلب في أحاديث عديدة صحيحة متضافرة تطهيرَ الجلد بالدباغ قبل الانتفاع به، فهذا فارق واضح بين الجلد وبين العظم والشعر، وبذلك يتبين وجه الاختلاف بين العظم والجلد.
ومن ناحية ثانية فإن الجلد مستثنىً من عموم منع الاستعمال والانتفاع بالميتة وبالنجس، فهو حكمٌ استثنائي، وكان حقه أن يكون ممنوعاً من الاستعمال لنجاسته، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد استثناه من الميتة استثناءً خاصاً، فبيَّن أن هذا الجزء النجس من الميتة يجوز الانتفاع به دون سائر أجزاء الميتة بشرطٍ واحد هو تطهيره بالدباغ، ولم يُجِزْ ذلك في غيره من أجزاء الميتة، فهو حكم خاصٌّ لا يقاس عليه. وقد يَرِدُ سؤال: إن القول باستثناء الجلد من الميتة غير مسلَّم به، وإن للموضوع وجهاً آخر هو أنه يجوز استعمال الجلد من الميتة، لأنه يُنتفع به في غير الأكل، ولو كان استعماله في الأكل لأخذ حكم الميتة سواء بسواء؟ وربما كان السؤال: إنَّ علة جواز استعمال الجلد إنما هي لكونه لا يُؤكل، وبالتالي فإنه يقاس عليه كل عضو من الميتة يُنتفع به في غير الأكل؟.