والنَّجِس عكسه الطاهر، فما سوى النجاسات التي سبق تحديدها فهو طاهر دون حاجة إلى دليل على طهارته، أي إذا لم يكن لدينا دليل على نجاسة شيء حكمنا بطهارته، لأن الله سبحانه سخَّر لنا كلَّ شيء، الأرضَ والحيوان والنبات، وحتى السموات قد سخَّر الله سبحانه ما فيها للإنسان، قال الله تعالى في سورة الجاثية {وسَخَّرَ لكُم ما في السَّمواتِ ومَا في الأرضِ جميعاً مِنْهُ} والتسخير يقتضي جواز الاستعمال والانتفاع، ولا يكون الاستعمال وارداً مع النجاسة، ولذا فإنَّ كلُّ ما في السموات وما في الأرض مُسخَّر وطاهر إلا ما استثناه النص. فالطهارة هي الأصل والنجاسة خروجٌ عليه جاء الشرع يطلب نبذها وعدم التعامل معها. ثم إن الله سبحانه خلق الكون وعرض عليه التكليف فأبى وأشفق من حملِه، إلا الإنسان الظالم لنفسه الجاهل لمصير هذا الحمل، فقد وافق عليه، ولذا فإن كل ما في الوجود يسير في طاعة الله والإنسان المؤمن الصالح يسير مع الكون في طاعة الله، ولا يخرج على هذه المسيرة ويشذُّ عنها سوى الكافر من البشر، فهو الشاذ الخارج على الأصل، الذي هو طاعة الله، ويلحق به الكافر من الجنِّ والشياطين، فليس غريباً ولا مفاجئاً أن يُطلِق الشرع على الكفار لفظة النَّجَس تشبيهاً لهم بالنجاسات الخارجة على الأصل، فكما أن النجاسات خرجت على أصل الأشياء من الطهارة وسميت نجسة، فكذلك الكفار خرجوا على أصل الأشياء من الطاعة وسُمُّوا نَجَسَاً، قال سبحانه {إنما المُشْرِكونَ نَجَسٌ فلا يَقْرَبوا المَسجِدَ الحرامَ بعدَ عامِهم هذا} الآية ٢٨ من التوبة. ولم يستعمل القرآن لفظة نجس سوى مرة واحدة هي هذه في وصف الكفار المشركين، ولذا فإن الأصل أن يُنبذ الكافر المشرك كما تنبذ النجاسات، ولكن باختلافٍ بين النبذين. أما التعامل مع الكافر فليس هذا مكانه، وأما التعامل مع النجاسات فهو مدار هذا البحث.