أما الحديث الثاني فهو في موضوع تنظيف الدُّبُر من الغائط وقد طلب الحديث استعمال ثلاثة أحجار على الأقل وقال «فإنها تُجْزِئه» ففهم من هذا النص جماعة من العلماء أن العدد هنا واجب وأن الاستجمار لا يجوز بأقل من ثلاثة، واعتبروا أن العدد يدخل في إزالة النجاسة وقاسوا غسل النجاسات كلها على هذا الحديث فقالوا بغسل كل نجاسة ثلاثاً، وقد وَهَمَ هؤلاء جميعاً، فإن لدينا حديثاً يردُّ عليهم ويبطل العدد حتى في الاستنجاء، فقد روى الدارقطني بسند حسن عن سهل بن سعد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن الاستطابة، فقال: أَوَلا يجد أحدُكم ثلاثة أحجار: حجرين للصَّفحتين، وحجرٍ للمسربة؟» فأي نصٍّ أبلغ وأوضح من هذا النص الذي يقرر أن تنظيف الموضع الواحد يكفيه حجر واحد؟ فقد جعل حجراً واحداً للمسربة، وحجراً واحداً للصفحة اليمنى، وحجراً واحداً للصفحة اليسرى، أي أن هذا الحديث اكتفى في الاستنجاء بحجر واحد للموضع الواحد ولم يطلب عدداً، وبيَّن في الوقت نفسه سبب طلب الأحجار الثلاثة للاستنجاء، وأنها ثلاثة أحجار لثلاثة مواضع، فأي تفسير أبلغ من هذا التفسير؟ وأي رد أبلغ من هذا الرد على من اشترطوا العدد في الاستنجاء وعمَّموه على سائر الأغسال؟ ونحن نعلم أن الحديث يفسر بعضه بعضاً.