وأود أن أشير هنا إلى أن هذا الحديث وإن كان ضعيفاً، أو كان الاستثناء الذي فيه ضعيفاً إلا أن معناه صحيح، وهو ما حققناه من قبل في بحث تحقيق مناط الماء. قال الشافعي والبيهقي وغيرهما: الإجماع على أن التغيُّر بالنجاسة ريحاً أو لوناً أو طعماً نجس. وهم يعنون بالإجماع هنا إجماع العلماء، وقد سقنا من قبل قول ابن المنذر بهذا الخصوص فلا نعيد، وأثبتنا هناك أن هذا الأمر لا يحتاج إلى نصوص.
٢- رد الفريق الأول حديث القُلَّتين وقالوا إنه ضعيف لأنه مضطرب سنداً ومتناً، فلا ينتهض عندهم لتخصيص الحديث الأول، فيظل الحكم على عمومه، وقالوا إن مدارَه على الوليد بن كثير عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر، وقيل عنه عن عبيد الله بن عمر، وقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وهذا اضطراب في السند. وقالوا إنه قد رُوي أيضاً بلفظ «إذا كان الماء قدر قُلَّتين أو ثلاث لم ينجِّسه شيء» كما في روايةٍ لأحمد والدارقطني. وبلفظ «إذا بلغ الماء أربعين قُلَّة فإنه لا يحمل الخَبَث» كما في روايةٍ للدارقطني من طريق جابر بن عبد الله. وهذا اضطراب في المتن.
فنجيبهم على دعوى الاضطراب في الإسناد بأن هذا لا يُعدُّ اضطراباً لأنه انتقالٌ من ثقة إلى ثقة. قال ابن حجر (وعند التحقيق أنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر المكبر، وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر وما سوى ذلك وهْمٌ) وهؤلاء كلهم ثِقات. وللحديث طريق ثالثة عند الحاكم جوَّد إسنادها يحيى بن معين، وقال الحاكم (صحيح على شرطهما وقد احتجَّا بجميع رواته) وقال ابن منده: إسناد حديث القُلَّتين على شرط مسلم. وبذلك يتضح أن سنده صحيح.