والذي أرجِّحه هو أنه لا يلزمه إلاَّ نيَّة واحدة فحسب، وهي تُستحضر عند غسل أول عضو من البدن، وأن ما سمته عائشة وضوءاً وجاءت ميمونة على ذكره فليس هو الوضوء المعروف، لأن الوضوء المعروف فيه مسح الرأس، وهذا الذي يسمونه وضوءاً لا مسح للرأس فيه كما يظهر في جميع الأحاديث، وهو ما تمسك به الإمام مالك، ثم إنَّ رواية ميمونة ذكرت غسل الرجلين بعد إفاضة الماء على البدن، وبذلك فصلت أعمال الوضوء بعضها عن بعض، وهذا أمرٌ لا يرد في الوضوء، ولا يرد إلا في الغسل.
لهذه الفروق أقول إن ما سمَّته عائشة وضوءاً هو سُنة من سنن الغُسل، وإن هذه السُّنَّة لا مسح للرأس فيها، ولا موالاة بين أجزائها، ودخلت تحت غسل الجنابة كجزءٍ مسنون منه، وكل ما في الأمر أن سُنَّة الغسل تشابهت في معظمها مع أعمال الوضوء.
وأزيد فارقاً آخر هو أن من يفعل هذه السنَّة لا يجب حين يفيض الماء على جميع بدنه أن يُفيض الماء على ما غسل من أعضاء الوضوء أو أعضاء هذه السُّنة، وتُجزئه إفاضة الماء على ما سواها من أعضاء البدن.
وربما كانت الدقة والوضوح أن يقال: يبدأ المغتسل بمواضع الوضوء بدل أن يقال: يبدأ بالوضوء، يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأهل السنن عن أم عطية قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهنَّ في غسل ابنته «ابدأْنَ بميامنِها ومواضعِ الوضوء منها» . وهذا قول منه - صلى الله عليه وسلم -، قاله لمن كنَّ يغسلن إحدى بناته عند وفاتها، في حين أن جميع الروايات التي ذكرت الوضوء هي أقوال صحابة، وقول الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الحجة. ولقد أفرد البخاري باباً سماه (من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده، ولم يُعِد غسل مواضع الوضوء منه مرة أخرى) .