٤) نناقش الآن الرأي الأول فنقول: الحديث الأول فيه نهي الرجل عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة فقط، والحديث الثاني فيه نهي الرجل عن الاغتسال بفضل المرأة، ونهي المرأة عن الاغتسال بفضل الرجل، وليس في الحديثين ما يفيد نهي الرجل عن الوضوء أو الاغتسال بفضل الرجل، أو المرأة بفضل المرأة، فهذه قرينة صارفة لعلَّة الاستعمال، إذ لو كانت العلَّة هي الاستعمال لما كان لتخصيص النهي برجال مع نساء أو نساء مع رجال فائدة، ولو كان الحكم عموم النهي لقال الحديث مثلاً: نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء أو الاغتسال بفضول الماء، أو لقال: أنهاكم عن التوضؤ بفُضول وضوئكم مثلاً، فلما انعطف الحديثان عن صيغة العموم دل ذلك على معنى خاص مقصود وهو هنا يعالج عملاً بيتياً، وخاطب فيه الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل، فكان ذلك قرينة صارفة عن عموم التوضؤ بفضل الوضوء، وعموم الغُسل بفضل الغُسل، فإذا اقترن ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام «ولْيغترفا جميعاً» في آخر الحديث الثاني بان القصدُ واضحاً، وهو أن هذين الحديثين يعالجان عملاً بيتياً خاصاً بالأزواج، الرجال وزوجاتهم، فهما خاصَّان بهذا الأمر فحسب، وذلك لأنه إذا ذُكر الرجل إلى جانب المرأة في عمل بيتي كان قرينة على العلاقة بين الأزواج، فإذا كان العمل يصحبه تعرٍّ كاملٌ عند الاغتسال ولا يكون تعري الرجل والمرأة معاً إلا في حالة الزوجية فقط، كان قرينةً قطعية على أن الحديثين يعالجان موضوعاً خاصاً بالأزواج، لأن المرأة لا تستطيع أن تتوضأ مع الرجل من إناء واحد في وقت واحد لما في عملية الوضوء من انكشاف شعرها ويديها ورجليها إلا مع محارمها، ومع زوجها، ولا تستطيع الاغتسال وهي عارية مع الرجل إلا إذا كان زوجها فقط، فطلب الحديث من الرجل والمرأة في الاغتسال أن يغتسلا من إناء واحد في وقت واحدٍ بقوله «ولْيغترفا جميعاً» ، وهما عاريان طبعاً، كان ذلك بالقطع دليلاً على أن هذين