للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على ذلك أيضاً ما رواه جابر قال «كان الجُنُب يمر في المسجد مُجْتَازاً» رواه ابن أبي شيبة. ورواه ابن المنذر ولفظه «كان أحدنا يمر في المسجد وهو جُنُب» . أما ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجوه بيوت أصحابه شارعةٌ في المسجد فقال: وجِّهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن تنزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعدُ فقال: وجِّهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أُحلُّ المسجد لحائض ولا جُنُب» رواه أبو داود وابن خُزَيمة. وما رُوي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت «دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَرْحةَ هذا المسجد، فنادى بأعلى صوته: إنَّ المسجد لا يحلُّ لجُنُب ولا لحائض» رواه ابن ماجة والطبراني. فأقول: حديث ابن ماجة هذا ضعيف، جاء في الزوائد (إسناده ضعيف، محدوج لم يوثَّق، وأبو الخطَّاب مجهول) فلا يصلح للاحتجاج. فيبقى الحديث الأول الذي رواه أبو داود، فهذا الحديث يجب حمله على المُكث دون المرور، لأن هذا عام وأحاديث المرور مخصِّصة، والخاص يُعمل به. وممن ذهب إلى جواز مرور الجنب في المسجد ابن مسعود وابن عباس والشافعي والطبري.

أما من ذهب إلى عدم الجواز فمالك وأبو حنيفة. وقال أحمد وإسحق بالجواز للجُنب إنْ توضأ، واستدلا بحديث رواه عطاء بن يسار «رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يجلسون في المسجد وهم مُجْنِبون إذا توضأوا وضوءَ الصلاة» عزاه الشوكاني لسعيد بن منصور. فنرد عليهما بأن في الحديث هشام بن سعد قال عنه أبو حاتم إنه لا يُحتجُّ به، وضعَّفه يحيى بن مُعين والنَّسائي وأحمد، فالحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج. وهكذا يثبت أن الجُنُب يجوز له أن يجتاز المسجد ويمر منه مروراً دون مُكْث. وهكذا أيضاً يظهر خطأ الرأيين الآخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>