أما الاستقراء فإنه لا يفيدهم، لأن الصعيد الذي بحثوه عليه هو غير الصعيد الذي كان عليهم بحثه عليه، وذلك أنهم علَّقوا أحكام النفاس على ما توصلوا إليه من دراسة ما عليه النساء، مِن حيثُ أكثرُ ما يكون نزول الدم عندهن دون أي اعتبار آخر، وهذا خطأ وقعوا فيه، وأوقعهم من ثَمَّ في خطأ الحكم المترتب عليه، ذلك أن الشرع نفسه قد حسم هذه المسألة حسماً قاطعاً، فقال إن حكم النفاس أقصاه أربعون يوماً كما جاء بإجماع الصحابة وهو دليل، وكما جاء بالحديث أيضاً، وكان ينبغي عليهم وقد قال الشرع كلمته أن يتوقفوا عن البحث عن أكثر زمنٍ لنزول دم النفاس إنْ هم أرادوا من ذلك تعليق حكم النفاس به، أما لو هم أرادوا مطلق المعرفة بأكثر وقت النفاس من حيث الواقع دون ربط ذلك بحكم النفاس فلا بأس، ولكنهم بحثوا عن أقصى النفاس، فوجوده عند عدد من النساء يزيد على الخمسين، وقد يصل إلى الستين والسبعين، فقالوا إن المرأة تدع الصلاة والصوم والجماع طيلة هذه الفترة الطويلة، وهذا خطأ لأن هذا القول معاندٌ صريحٌ للشرع، فالشرع علق الحكم بأربعين كحدٍّ أقصى، وما دام علق الحكم بالأربعين فإن تعليقه بالخمسين أو بالستين أو بالسبعين هو نسخ له، وهم لا يملكون النسخ.
أما ردهم حديث أم سلمة الثاني الذي فيه «كانت المرأة من نساء النبي» واصفين إياه بأنه مُنْكَر المتن، فرغم أن الشوكاني أوَّله بقوله (نساؤه أعمُّ من الزوجات لدخول البنات وسائر القرابات تحت ذلك) فإني أُقرُّهم على هذا الرد ولا أميل إلى تأويل الشوكاني، وبالتالي يُترك الحديث ولا يُحتج به. ولكن هذا الرد لا يفيدهم لأن الحديث الأول لا يمكن إنكار متنه لأن النفساء فيه غير مقيدة بكونها من نساء الرسول عليه الصلاة والسلام، وحيث أن الحديث صحيح وصريح فلا يجوز تركه وإعمال الذهن فيما جاء فيه نص، أو الاجتهاد في مورد النص.