والذي أريد قوله هو أن التسمية عند الوضوء ليست بحاجة إلى دليل حتى نُكثر أحاديثها ونغرق في الخلافات فيها، فالتسمية عند كل أمر ذي بال سُنَّة، نسمي الله عند الأكل وعند الزرع وعند الذبح وعند بدء الكلام، وما إلى ذلك من الأعمال، فلماذا لا نسمي الله عند الوضوء؟ أجل كان بإمكان الفقهاء أن يتفقوا على أن التسمية سُنَّة عند الوضوء كغيره من الأعمال، ثم إن وجدوا حديثاً صحيحاً أو حسناً ذكروه، وإن لم يجدوا ظلوا يقولون باستحباب التسمية. فالتسمية للوضوء كالتسمية لكل أمر ذي بال بديهية من بديهيات الإسلام. وعلى أية حال فإن كان لا بد من مناقشة الأحاديث الستة الواردة فإني أقول بإيجاز:
أما الحديث الأول فقد رُوي من طريق يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، قال البخاري (لا يُعرف له سماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة) فهو إذن منقطع بل مُعْضَل فيترك. ورواه أحمد وابن ماجة من طريق ربيح بن عبد الرحمن، قال البخاري عنه (إنَّه منكر الحديث) وقال أحمد: إنه مجهول هو وأبوه. والحديث الثاني قال عنه الهيثمي (إِسناده حسن) والحديث الثالث فيه عبد الله بن حكيم وهو أيضاً متروك ومنسوب إلى الوضع فيترك الحديث. والحديث الرابع فيه حارثة قال البزَّار (ليِّن الحديث) وقال ابن حجر (ضعيف) فيترك. والحديث الخامس قال البيهقي عنه (هذا أصحُّ ما في التسمية) وهكذا فقد وجدنا حديثين صالحين للاستدلال هنا هما الحديث الثاني والحديث الخامس، وهما يفيدان أن التسمية للوضوء سُنَّة. ولا يصح رأي من أوجب التسمية لأن حديثهم الأول الذي استشهدوا به ضعيف لا يصح. فالتسمية للوضوء ولغيره سنة، وهذا ما سار عليه الصحابة وسائر المسلمين من افتتاح كل أمر من الأمور بالبسملة.