للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أصحاب الرأي الآخر فاستدلوا على دعواهم بوجوب غسل المرفقين بحديث نعيم ابن عبد الله الذي أخرجه مسلم وقد مرَّ، وفيه «ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد» . والإشراع في العضد يفيد قطعاً غسل المرفقين، وهذا عندهم بيان من الرسول عليه الصلاة والسلام بتعيين أحد المعنيين اللغويين لحرف إلى، وهو أن إلى بمعنى مع. واستدلوا أيضاً بحديث عثمان رضي الله عنه قال «هلموا أتوضأ لكم وُضوءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين حتى مسَّ أطراف العضدين، ثم مسح برأسه، ثم أمَرَّ يديه على أذنيه ولحيته، ثم غسل رجليه» رواه الدارقطني. وبحديث جابر رضي الله عنه قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه» رواه الدارقطني. قال إسحق ابن راهُويه: [إلى] في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى [مع] ، فبيَّنت السُّنَّة أنها بمعنى [مع] .

ورداً على أصحاب الرأيين أقول ما يلي: إن حرف [إلى] يفيد انتهاء الغاية ويفيد معنى [مع] فتحديد زُفَر أحد هذين المعنيين مستدلاً بآية الصوم تحديدٌ منقوضٌ بآية {ولا تَأْكُلُوا أِمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} وبآية {مَنْ أَنْصَارِي إلى الله} وقد رد الطبري عليه تحديده رغم أنه يخلص إلى رأيه نفسه، فبيَّن أنَّ حرف [إلى] في آية {وأَيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ} يحتمل المعنيين، فيسقط استدلال زُفَر.

أما استدلال الطبري فهو لا شك أعدل وأنصف من استدلال سابقه، وهذا الاستدلال يرد بالإتيان بإثبات أن حرف [إلى] في الآية يفيد أحد المعنيين وإلا ظلَّ صحيحاً، وسوف أؤخر الرد على هذا الاستدلال إلى ما بعد الرد على أصحاب الرأي المخالف.

<<  <  ج: ص:  >  >>