الحديثان الخامس والسادس، موضوعهما واحد، هو مسح الرأس بماء غير مستعمَل، فالرسول عليه الصلاة والسلام حين أراد مسح رأسه في الوضوء أخذ له ماء جديداً من غير فضل يده، أي أنه بعد أن غسل يده اليسرى في الوضوء، تناول ماء جديداً لمسح الرأس، ولم يمسحه ببقية الماء في يديه، فقالوا لولا أن الماء المستعمَل في غسل يديه لا يرفع حدثاً، ولا يُستعمل في الوضوء لمسح الرسول عليه الصلاة والسلام رأسه به دون حاجة منه إلى غَرفة ماء جديد لمسح الرأس. هكذا علَّلوا الحديثين، وقالوا إنهما صحيحان يُحتجُّ بهما.
وجوابنا على ذلك هو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما فعل هذا الفعل قد فعل عكسه أيضاً، وجاء ذلك بأحاديث صحيحة أيضاً، فعن ابن عباس رضي الله عنه «أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غَرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غَرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غَرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غَرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غَرفة من ماء، فرشَّ على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غَرفة أخرى فغسل بها رجله - يعني اليسرى - ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ» رواه البخاري. فهذا الحديث يصف فيه ابن عباس فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء، وفيه أنه كان يغرف غَرفة ماء لكل عمل من أعمال الوضوء، فغَرفةٌ للمضمضة والاستنشاق، وغَرفة لغسل الوجه، وغَرفة لغسل اليدين وغَرفة لغسل الرجلين، ولم يذكر أنه اغترف غَرفة لمسح الرأس، مما يدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسح برأسه بماءٍ فَضَل في يديه ولم يمسحه بماء جديد.