للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد يقال إن المجاورة تضعف إن كان هناك فاصل كما هو الحال في هذه الآية بوجود الواو العاطفة، وأن المجاورة الشائعة تكون بدون فواصل، فنجيب بأن القرآن وقد استعملها فإنَّه يجب قبولها، لأنه لا يمكننا التوفيق بين القراءتين، ولا بينهما وبين الأحاديث إلا بالأخذ بالمجاورةِ إيماناً منا بأن القرآن لا يعارض نفسه، ولا تعارضه السُّنَّة.

إن ابن هشام في كتابه [شذور الذهب] ذهب إلى أن المجاورة مع وجود فاصل أمر شاذ عند العرب، وأن الأصح أن تكون المجاورة حين لا يكون فاصل، ولكنه لم يقطع بخطأ القاعدة، ثم قال إن المجاورة تحصل بوجود فاصل محذوف مقدَّر، فنقول إن القرآن أتى بالمجاورة مع وجود فاصل غير محذوف، وقد جاءت على لسان شاعر:

كأنَّ ثبيراً في عرانينِ وبْلِهِ ... كبيرُ أُناسٍ في بجادٍ مُزمَّل

فظل طُهاةُ اللحم مِن بين مُنضجٍ ... صفيفَ شُواء أو قديرٍ معجَّل

فـ (قدير) حكمها أن تكون منصوبة لأنها معطوفة بـ (أو) على (صفيف) المنصوبة على الحال، فالواجب أن يقال (صفيفَ شواءٍ أو قديراً معجَّلاً) ولكنه جرَّ (قديراً) لمجاورة (شُواءٍ) المجرورة. وهذا مثال على جواز المجاورة مع وجود الفاصل غير المحذوف وهو العاطف هنا. ويكفينا سيبويه كبير أئمة الإعراب، وكذلك الاخفش، فقد حكما بجواز المجاورة مع وجود العطف، فبالأخذ بقاعدة المجاورة نكون قد أعملنا جميع الأدلة، وأزلنا شبهة القائلين بوجود التعارض.

أما ما تمسك به القائلون بالمسح من أحاديث فإنه لا يصمد أمام المناقشة، فهؤلاء استدلوا على شبهتهم بما يلي:

١- عن عبد الله بن عمرو قال «تخلَّف النبي - صلى الله عليه وسلم - عنا في سَفْرة سافرناها، فأَدرَكَنا وقد أرهَقَنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: ويلٌ للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثاً» رواه البخاري ومسلم. قوله أرهقنا العصر: أي اقترب وقت العصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>