للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو جو العبارة، وفي هذا الجو صارت العبارة مفهومة، فصارت غير مفيدة لهم، وغير دالة على دعواهم. إن قول الحديث «فأدْرَكَنا وقد أرهَقَنا العصر» صريحٌ في أنهم كانوا على أشدِّ ما تكون العجلة، والمستعجل لا يحسن الوضوء ولا يتقنه، فوصف ابن عمرو حالة القوم بأنهم كانوا لشدة السرعة يظهر عليهم أنهم يمسحون أرجلهم ولا يغسلونها، وفي هذه الحالة وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - فرآهم كأنهم يمسحون، ورأى أماكن مِن أرجلهم لم يصبها الماء فقال بغضب - بأعلى صوته – «ويلٌ للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثاً» والتدقيق في هذا الحديث يوصل إلى أنَّهم كانوا يغسلون ولم يكونوا يمسحون، ولكنْ لسرعة الغسل بدت أجزاء من الأرجل دون ماء، فأنكر الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك منهم، بينما لو أنهم كانوا يمسحون، ولو كان المسح جائزاً لما أبرز ابن عمرو مسح الأرجل كدليل على السرعة دون سائر أفعال الوضوء. فقوله «نتوضأ ونمسح على أرجلنا» واضح فيه التركيز على مسح الأرجل فحسب وأن المسح دليل على السرعة، وهذه دقيقةٌ تحتاج إلى تدبُّر. هذه واحدة.

والثانية أن شأن المسح كما لا يخفى لا يستوعب الممسوح عادة، وأن الشيء المطلوب مسحه يجري التخفيف فيه في الإسباغ والاستيعاب، أما إنْ أُريد استيعابه فإنه يُطلب غسله، وهذا ظاهر تماماً، فلو كان المطلوب مسح الأرجل لما أنكر الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم ترك استيعاب الأرجل من حيث إصابتها بالماء، فلما أنكر عليهم ترك جُزء وهو يراهم مستعجلين دل ذلك على وجوب الاستيعاب، وهذا يعني بالضرورة وجوبَ الغسل.

والثالثة إنَّ عملية المسح حصلت من الصحابة ولم تحصل إلا والرسول عليه الصلاة والسلام غائب عنهم، فلما حضر أنكر عليهم ولم يقرَّهم عليه، واستعمل أشد ألفاظ الإنكار بتوعدهم بالويل المكرَّر، فكيف يستدلُّون بهذا الحديث على جواز المسح؟

<<  <  ج: ص:  >  >>