وقد يقال إن هذا منه يدل على أنه من خصوصياته، فنجيب بأن هذه دعوى غير صحيحة، لأنه لا يصح اعتبار ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - من خصوصياته إلا أن يقوم الدليل على أن الفعل هو من خصوصياته، ولم يقم الدليل هنا على ذلك. والمعلوم للصحابة ومَن بعدهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي فيأخذ الصحابة عنه كيفية الصلاة، وكان يتوضأ فيتعلم منه المسلمون الوضوء، وإن معظم أحاديث الوضوء التي عمل بها المسلمون هي أفعال منه عليه الصلاة والسلام، أو أفعال من الصحابة ذكروا أنها تشبه أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانوا يجاهرون صراحة حين يتوضَّأون بأنهم توضَّأوا كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتوضأ، وكان منهم من يقول: إني أَشْبَهُكم وضوءاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الفرض الشرعي أُخذ من الرسول عليه الصلاة والسلام من فعله أكثر مما أُخذ من قوله، ثم يأتي من يقول إن هذا المسح للرأس من فضل ماء اليدين هو من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، ما هكذا تفهم النصوص!
من هذه الأرضية السابقة ننطلق إلى القول بأن حديث جارية على فرض صحته يُحمَل على مَحْمل الأحاديث السابقة لأنه في موضوعها، والمقصود منه واضح وهو أن يمسح المسلم رأسه بماء جديد، أي بغير ما فضل في يديه، وهذا يضاف إلى الحديثين السابقين اللذين يذكران ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام، وليس فيه جديد، فقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المسلم المخاطَب بأن يفعل في مسح رأسه كما مسح هو رأسه بماء جديد، كما جاء في حديثي الباب وهما اللذان خالفهما حديثان آخران، واختلاف الأحاديث يدل على إباحة مسح الرأس بماء جديد وإباحة مسحه بماء يفضل في اليدين، فالأمر فيه سعة.