إلا أن الواجب في العدد هو مرة واحدة، وأنَّ أعلى المندوب هو ثلاث مرات، وذلك لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثاً ثلاثاً وقال: هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدَّى وظلم» رواه أحمد والنَّسائي وابن ماجة. ورواه ابن خُزَيمة وصححه. قال ابن حجر (رُوي من طرق صحيحة) فالزيادة على الثلاث إساءةٌ وتعدٍّ وظُلم، وهذه الألفاظ تفيد في مجموعها التحريم لأن التَّعدِّي حرام، والظلم حرام، والإساءة محتملة، فمن توضأ أربعاً أو أكثر كان آثماً متعدِّياً ظالماً مسيئاً. قال النووي (أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة، وعلى أن الثلاث سُنَّة) وقال عبد الله بن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم. وقال أحمد وإسحق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى. لكن روى أبو داود الحديث الأخير بلفظ « ... فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم» وقد أشكل هذا اللفظ على العلماء، لأنَّ أحداً منهم لا يخالف أن مرة مرة، ومرتين مرتين، جائزان ومُجزئان، بينما الحديث يقول «أو نقص» أي نقص عن الثلاث «فقد أساء وظلم» وهذا لا يقول به فقيه، ولذلك أخذوا في التأويل فأغربوا فيه. جاء في نيل الاوطار (وقد أشكل ما في رواية أبي داود من زيادة لفظ (أو نقص) على جماعة، قال الحافظ - أي ابن حجر - في التلخيص ( [تنبيه] يجوز أن تكون الإساءة والظلم مما ذكر مجموعاً لمن نقص ولمن زاد، ويجوز أن يكون على التوزيع، فالإساءة في النقص والظلم في الزيادة، وهذا أشبه بالقواعد، والأول أشبه بظاهر السياق والله أعلم، ويمكن توجيه الظلم في النقصان بأنه ظلم نفسه بما فوَّتها من الثواب الذي يحصل بالتثليث، وكذلك الإساءة لأن تارك السُّنَّة مُسيء، وأما الاعتداء في النقصان فمُشكل فلا بد من توجيهه إلى الزيادة، ولهذا لم يجتمع ذكر الاعتداء والنقصان في شيء من روايات الحديث) .