للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قرأت رأيا منسوباً لأبي بكر بن العربي مغايراً لما عليه عامة الفقهاء أنقله وأناقشه، وهو (ظن بعض الناس بل كلهم أن الواحدة فرض والثانية فضل والثالثة مثلها والرابعة تعدٍّ، وليس كما زعموا وإن كثروا، وإنما رأى الراوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غرف لكل عضو مرة فقال توضأ مرة، وهذا صحيح صورة أو معنى صورة، إنَّا نعلم قطعاً أنه لو لم يُوعب العضو بمرَّةٍ لأعاد، وأما ما زاد على غرفة واحدة في العضو أو غرفتين فإنَّا لا نتحقق أنه أوعب الفرض في الغرفة الواحدة، وجاء ما بعدها فضلاً، أو لم يوعب في الواحدة ولا في الاثنتين، حتى زاد عليها بحسب الماء وحال العضو في النظافة، وتأتَّى حضور التلطُّف في إدارة الماء القليل والكثير عليها، فيشبه والله أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يوسِّع على أمته بأن يكرر لهم الفعل، فإن أكثرهم لا يستطيع أن يُوعب بغرفة واحدة، ولأجل هذا لم يوقِّت مالك في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً إلا ما أسبغ ... ) إلى آخر ما قال. وغفر الله له، فقد أراد الانتصار لمذهبه المالكي بمثل هذا التأويل البعيد، فإن تحويله المرات في الوضوء إلى غرفات بقدرها هو تحويلٌ لا يصح، وذلك لأن الغرفة الواحدة إن لم تكف غسل العضو كله لا يقال إنه توضأ مرة، أو غسل العضو مرة، لأنه في حالة عدم كفاية الماء لغسل العضو كله لا يكون وضوءٌ ولا يكون غسلٌ، ومن ثم لا يكون مرة، وحين جاءت الأحاديث بالوضوء مرة ومرتين وثلاثاً فُهم منها أن الوضوء يتمَّ بمرة وبمرتين وبثلاث، وأنه لو افترضنا أنه غرف للوجه غرفة فلم تكف فأوعبه بغرفة ثانية لا يقال إنه توضأ مرتين وإنما يقال توضأ مرة بغرفتين، والفارق واضح جداً، ولم تأت الأحاديث بالغرفات ثم ربطتها بالمرات، وإنما أطلقت المرات وربطتها بالوضوء، فبان الفارق بينهما، فحين يقول الحديث توضأ مرتين فإنه يعني غسل وجهه مثلاً مرتين، ولا يعني غسل وجهه مرة بغرفتين، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>