للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما يستدل به القائلون بعدم الوجوب بما روي عن علي رضي الله عنه قال «ما أبالي إذا تمَّمت وضوئي بأي أعضائي بدأت» وبما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء» رواهما ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي. فنقول: أما الحديث الأول فهو قولُ صحابي، وأقوال الصحابة ليست أدلة، هذه واحدة. والثانية أن هذا الحديث فيه عبد الله بن عمرو بن هند قال عنه الدارقطني (ليس بقوي) وقال البيهقي عن هذا الحديث (والله أعلم على أنه منقطع ... قال عوف ولم يسمعه من علي رضي الله عنه) . فالحديث إذن ضعيف لا يصلح للاستدلال. وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال «ما أُبالي لو بدأت بالشمال قبل اليمين إذا توضأت» رواه الدارقطني والبيهقي. فهذا الحديث أيضاً ضعيف وإن كان معناه مقبولاً، ففي إسناده زياد مولى بني مخزوم قال عنه يحيى بن معين: لا شيء. وأما الحديث الثاني فهو أيضاً قول صحابي، وأقوال الصحابة كما قلنا ليست أدلة، ثم إن هذا الحديث ضعيف هو الآخر، فقد قال عنه الدارقطني (هذا مرسَل ولا يثبت) ونقل البيهقي كلام الدارقطني وأضاف (وهذا لأن مجاهداً لم يدرك عبد الله بن مسعود) فالحديث ضعيف لأنه منقطع فلا يصلح للاستدلال.

وبذلك يظهر أن الترتيب في الوضوء واجب لا فرق بين فروضه وسننه، وأن مخالفة الترتيب فيهما إثم ولا يجوز. إلا أن مخالفة الترتيب في فروض الوضوء يختلف عنها في سننه من حيث الإجزاء، فمخالفة الترتيب في الفروض فضلاً عن كونها إثماً تبطل الوضوء، لأنها تعني عدم إتيانٍ بالفروض على وجهها، فكأنه بذلك لا يكون أتى بالفروض، في حين أن مخالفة الترتيب في السنن إثم فقط، وهي تعني الإتيان بالسنن على غير وجهها، وما دام الإِتيان بالسنن ليس واجباً، وليست هي من الوضوء المُجْزِيء، فإن مخالفة الترتيب التي تبطل هذه السنن وتسقطها لا تؤثر في الوضوء من حيث إجزاؤُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>