أما الثاني ففيه الأمر بإحسان الوضوء، وأما الأول ففيه الأمر بإعادة الوضوء، والأمر بإعادة الوضوء منطوق، وهو قوي في دلالته على الموالاة، في حين أن الأمر بإِحسان الوضوء في الحديث الثاني محتمِلٌ الإعادة ومحتمِلٌ الإتمام والإسباغ، والمحتمِل يُحمل على الصريح، ويقوِّي جانب الإعادة في هذا الحديث القول «فرجع فتوضأ» ولو كان الصحابي يعلم كفاية الإسباغ أو الإتمام لما توضأ من جديد. فإن قيل ربما أراد الصحابي مزيد ثواب قلنا: حتى يثبت ذلك نقول به. وبذلك يظهر أن حديث الإعادة يجب المصير إليه ويتعين العمل به، وتُحمل أحاديث الإحسان عليه. وحيث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من ترك شيئاً من رجله دون غسل أن يعيد الوضوء، فإن ذلك دليل على وجوب الموالاة. وبذلك يترجح لدينا رأي من قالوا بوجوب الموالاة.
ولا يقال إنَّ أمره عليه الصلاة والسلام بإعادة الوضوء هو للندب، لا يقال ذلك لأن أمره بالإعادة فيه دلالة على أن الوضوء السابق باطل، وذلك لأن المعلوم أن من توضأ على وضوء صحيح لا يقال عنه إنه أعاد الوضوء، وإنما يقال عنه إنه توضأ ثانية، فالأمر بالإعادة فيه كامل الدلالة على بطلان الوضوء السابق، وكونه باطلاً هو دليل على وجوب الوضوء وليس على الندب.
هذا ونُذكِّر بأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُرْوَ عنه ولا مرة أنه لم يُوال في وضوئه ولو أراد أن يبين جواز ترك الموالاة لفعل ذلك ولو مرة واحدة، لأن البيان في معرض الحاجة واجب، ولم يأت بيانٌ لترك الموالاة فوجب المصير إلى ما جرت عليه عادته عليه الصلاة والسلام في وضوئه من دوام التزامه بالموالاة.