وإذن فإن الروايات المروية عن أبي محذورة لم تتفق على صيغة واحدة، في حين أن الروايات المروية عن عبد الله بن زيد قد جاءت بصيغة واحدة، هي صيغة خمس عشرة كلمة للأذان، وهذا مرجِّح معتبر.
ثم إن الناظر المدقق في روايات أبي محذورة يجد أنه يمكن الجمع بينها وبين رواية عبد الله ابن زيد لتصبح الصيغة المشتركة بينها جميعاً خمس عشرة كلمة، وذلك بالقول إن التكرار الوارد في روايات أبي محذورة - أعني تكرار الشهادتين - ليس القصد منه أن يكون ثابتاً مكرَّراً في الأذان كما فهم الكثيرون، وإنما حصل هذا التكرار من أجل التعليم، فالرسول عليه الصلاة والسلام عندما لقَّن أبا محذورة كلمات الأذان، ونطق أبو محذورة بالشهادتين، نطقهما بصوت منخفضٍ مغايرٍ لصوته عند النطق بالتكبير، فأمره بالإعادة وأن يرفع صوته، فظنَّ أن تكرار النطق بالشهادتين مقصودٌ لذاته وليس ذلك كذلك، وإنما هو من فعل معلِّم مع تلميذه عندما يؤدي التلميذُ المطلوبَ منه بشكل خاطئ، فيقوم المعلم بتصحيحه بالأمر بالإعادة، وبهذا الفهم نقوم بالجمع بين روايات أبي محذورة وعبد الله بن زيد بخصوص كلمات الأذان.
استمعوا إلى أبي محذورة وهو يقول إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - «علَّمه هذا الأذان» ، «علَّمه الأذان» ووقع في رواية عند النَّسائي «أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: اذهب فأذِّن عند البيت الحرام، قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلَّمني كما تؤذِّنون الآن بها» . ثم إن النَّسائي أورد رواية أخرى ذكر فيها كيف التقى أبو محذورة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفرٍ ببعض طريق حنين، إلى أن قال « ... فألقى عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - التأذين هو بنفسه، قال قل:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله