وإنَّ من فضل هذه الأمة أن جعل الله صلاتها مماثلة لاصطفاف الملائكة أمام ربهم، أي صفوفاً بعد صفوفٍ متراصة مستقيمة، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال «خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمْس؟ أُسكُنوا في الصلاة، قال: ثم خرج علينا فرآنا حَلَقاً فقال: ما لي أراكم عِزِين؟ قال: ثم خرج علينا فقال: ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يُتمُّون الصفوف الأُول ويتراصُّون في الصف» رواه مسلم. وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أقيموا الصفوف فإنما تصفُّون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسُدُّوا الخلل، ولِينوا في أيدي إخوانكم، ولا تَذَروا فُرُجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله تبارك وتعالى، ومن قطع صفاً قطعه الله» رواه أحمد. قوله «ولا تذروا فُرُجات للشيطان» فسَّره ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «رُصُّوا صفوفَكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلال الصفوف كأنها الحَذَف» رواه أحمد وأبو داود وابن حِبَّان والبيهقي. والحذف - بفتحتين - غنم صغيرة الأحجام سوداء جرداء ليس لها أذناب توجد في بلاد اليمن.
أما ما يقوله الإمام عند إشرافه على تسوية الصفوف، فقد ورد في ذلك عدة صيغ، وهذه الصيغ ليست مقصودة لذاتها بقدر ما يُقصد منها تحقيق التسوية بالفعل، فيمكن أن يُؤتى بها، ويمكن أن يؤتى بقسم منها، ويمكن أن يُؤتى بغيرها، فالأمر موسَّع على الإمام، ويكفيه أن يقول مثلاً: استووا وتراصُّوا ولا تختلفوا، ويمكن أن يقول: استووا واعتدلوا، ويمكن أن يقول: استووا وحاذوا بين المناكب وسُدُّوا الخلل، فالقصد التسوية وليس صيغة الكلام الذي يقال.