لقد كان المسلمون يصلُّون زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المساجد رجالاً ونساء، الرجال في المقدمة والنساء خلفهم مباشرة، ولم يكن بين الفريقين حاجز يحول دون رؤية أحد الفريقين للفريق الآخر كما هو حاصل في مساجدنا في هذه الأيام، فكان الرجال الذين في الصف الأخير يستطيعون في أثناء سجودهم رؤية النساء اللواتي يكنَّ في صفِّ النساء الأول، وكذلك النساء كنَّ يرين الرجال وهم ساجدون، وربما رأين منهم عوراتهم، وربما أدى هذا وذاك إلى إشغال هؤلاء وأُولئك، بل ربما أدى ذلك إلى ارتكاب الحرام، ولذلك ذمَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصف الأخير للرجال وذمَّ الصف الأول للنساء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «خير صفوف الرجال أولها وشرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرُها وشرُّها أولها» رواه مسلم وابن ماجة والدارمي وابن حِبَّان. وجاء حديث ثان يُبيِّن العلة من ذلك هو ما رُوي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال «لقد رأيت الرجال عاقدي أُزُرِهم في أعناقهم مثل الصبيان من ضيق الأُزُر خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال قائل: يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال» رواه مسلم والبخاري وأبو داود وأحمد وابن خُزَيمة. ورواه ابن حِبَّأن بلفظ «كنَّ النساء يُؤمرن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة أن لا يرفعن رؤوسهن حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من الأرض من ضيق الثياب» . وروى أحمد حديثاً أصرح في بيان العلة من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « ... إن خير صفوف الرجال المقدَّم وشرَّها المؤخَّر، وخيرَ صفوف النساء المؤخَّر وشرَّها المقدَّم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغْضُضْن أبصاركن لا ترين عورات الرجال من ضيق الأُزُر» . فالعلة هي نظر الرجال للنساء ونظر النساء للرجال، فكان الشرُّ في تأخر الرجال إلى الصف الأخير