للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لست أريد هنا إثباتَ أو نفيَ أن [بسم الله الرحمن الرحيم] آيةٌ من سورة الفاتحة، أو آيةٌ من كل سُوَر القرآن المائة والثلاث عشرة سوى سورة براءة، فهذه المسألة داخلة في موضوع العقيدة، وأنا في هذا الكتاب أَقصر البحث على الأحكام الشرعية والمسائل العملية المتعلقة بالصلاة وأحكامها، كما أنني لست أريد هنا أن أُثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ السورة من القرآن في غير الصلاة افتتح قراءته بالبسملة، فهذه المسألة عامة، وإنما أريد حصر البحث بقراءة الفاتحة وسور القرآن في الصلاة فقط، فعنوان البحث هو [البسملة في الصلاة] فالبحث محصور به لا يتعداه إلى غيره.

ولقد سار جمهرة الفقهاء في بحث هذه المسألة بأن وضعوا هذه المسائل الثلاث على صعيد واحد في بحثهم، فخاضوا في المسألة الأولى، فلما استنبط فريقٌ منهم أن البسملة آية من سورة الفاتحة قالوا بوجوب الجهر بها في الصلاة الجهرية، ولما استنبط فريق آخر أن البسملة ليست آية من سورة الفاتحة قالوا بوجوب الإسرار بها، بل إنَّ مِن هؤلاء مَن غالى برأيه فقال بكراهة قراءة البسملة في الصلاة سراً وجهراً، ذلك أن هؤلاء وأولئك عندما نظروا في النصوص وجدوا نصوصاً تقول بالجهر بها، ونصوصاً تقول بالإسرار بها، فأخذ الفريق الأول النصوص القائلة بالجهر، ولكنهم لم يستطيعوا تأويل النصوص القائلة بالإسرار إلا بتعسُّف، بل إن منهم من ردَّها، وأخذ الفريق الآخر النصوص القائلة بالإسرار لأنها أقوى إسناداً، فرجَّحوها على النصوص القائلة بالجهر، ولا زالت هذه المسألة عالقة بين هؤلاء وأولئك دون حسم، والسبب في ذلك هو خلطهم المسائل الثلاث، رغم أن منها ما يتعلق بالاعتقاد، ومنها ما يتعلق بالأحكام، وشتان بين هذين الصعيدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>