هذا هو الجهر، يقابله الخفض والإسرار، فعندما يصلي الإمام صلاة سرية كأن يصلي صلاة الظهر فإنه لا يرفع صوته بالقراءة ليُسمع المصلين وإنما يقرأ لنفسه، ولا يعني أنه يقرأ لنفسه أنه يُحظر عليه أن يُسمِع صوتَه المصطفِّين خلفه مباشرة، فلو سمع المصطفُّون خلف الإمام نبرات قراءة الإمام وتبينوا منها أنه يقرأ، بل وسمعوا قراءته الخفيضة فإن ذلك لا يتناقض مع الإسرار، ولا يعتبر هذا الفعل جهراً بالقراءة، والدليل على ما نقول ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه، قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة ويُسمعنا الآية أحياناً» رواه البخاري. فهنا صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الظهر وهي صلاة سرية، وصلى العصر وهي أيضاً صلاة سرية، ومع ذلك قال الحديث «يقرأ في الركعتين» وذكر أنه قرأ فاتحة الكتاب وسورة سورة، وما كان للراوي أن يعلم بقراءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لولا أنه يسمعها، وأوضح من ذلك في الدلالة قوله «ويُسمعنا الآية أحياناً» فكيف يَسمع المصلون قراءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صلاتي الظهر والعصر السريتين؟ إنهم يسمعون القراءة سماعاً متقطعاً، فمرة يَسمعون وأخرى لا يسمعون بدلالة قوله «ويُسمعنا الآية أحياناً» وما كان ذلك ليكون لو كانت القراءة في نفس الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يفهمون الإسرار.