للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً فقد رُوي عن أبي عبد الله الصُّنابحِيِّ أنه قال «قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصِّدِّيق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة وسورة من قصار المُفَصَّل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمسَّ ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن وبهذه الآية {ربَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} » رواه مالك. استمع إليه يقول «ثم قام في الثالثة ... فسمعته قرأ بأُمِّ القرآن وبهذه الآية ... » والركعة الثالثة في صلاة المغرب تكون القراءة فيها بالإسرار قطعاً، ولا يُتصور أن يصليها أبو بكر رضي الله عنه جهراً، ومع هذا الإسرار فإن الصُّنابحِي قد سمعه يقرأ عندما دنا منه، مما يؤكد بما لا يدع مجالاً لخطأ أن الإسرار يعني خفض الصوت وليس كتمانه في هذه الأحاديث. ثم إن قوله هنا «فسمعته قرأ» يدل على أن (القراءة) لا تعني بالضرورة (الجهر) كما فسروها عند الاستدلال بحديث أم سلمة وغيره، ولهذا فإن أي حديث يذكر قراءة البسملة في الصلاة لا يصلح مطلقاً للاستدلال به على الجهر بها، فمن أسرَّ بها قرأ ومن جهر بها قرأ، فالقراءة تكون جهراً وتكون إسراراً، فيسقط استدلالهم بالأحاديث الناطقة بقراءة البسملة على دعواهم بالجهر بها، قال تعالى {وإذْ أَسَرَّ النبيُ إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيْثَاً ... } الآية ٣ من سورة التحريم. فهذه الآية دلَّت على ما نذهب إليه من معنى الإسرار وهو خفض الصوت وليس كتمانه بالكلية، إذ عندما سمع مَن سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ البسملة بالإسرار ونقل أنه سمع البسملة، أو نقل أنه سمع قراءة البسملة ظن بعضهم أن ذلك دالٌّ على الجهر بها فقالوا بالجهر بالبسملة في الصلاة، ولو أدركوا معنى الإسرار حقيقة لما قالوا ما قالوا، ولما اضطروا إلى معارضة الأحاديث الصحيحة والحسنة القائلة بالإسرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>