ج - إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد رخَّص لمن لا يحسن قراءة القرآن أن يستعيض عنه بذكر الله سبحانه من تهليل وتحميد وتسبيح ... إلخ - وسيأتي هذا البحث بتمامه عقب هذا البحث مباشرة - فقراءة آيات من القرآن في هذه الحالة الخاصة لا شك أَوْلى من التهليل والتسبيح ... إلخ، فلو أسلم شخص حديثاً واستطاع أن يحفظ الفاتحة قبل أن يحين موعد الصلاة المكتوبة فإن قراءتها تصبح واجبة عليه في الصلاة، أما إن لم يستطع حفظها وكان يحفظ آيات من القرآن غيرها قرأ بها عوضاً عن الفاتحة، فإن لم يكن يُحسن قراءة شئ من القرآن سبَّح الله وهلَّل وكبَّر وهكذا، فالعدول عن الفاتحة إلى ما تيسر من القرآن أو إلى الأذكار هي رخصةٌ لمن لا يحفظها، ولا يجوز تعميمها على جميع الحالات والأحوال. وعندما نظرنا في جميع روايات حديث المسئ صلاته وجدنا روايةً للترمذي وأخرى لابن خُزَيمة تفيدان أن الحالة التي كان عليها المسئ صلاته هي من هذا القبيل، فهذا الشخص كما بدا لم يكن يحسن الصلاة، فجاءت روايات تطلب منه قراءة ما تيسر من القرآن كرواية مسلم، وجاءت روايات تطلب منه ذكر الله سبحانه إن لم يكن يحسن شيئاً من القرآن، فقد جاء في حديث الترمذي من طريق رفاعة بن رافع « ... فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبِّرْه وهلِّله ثم اركع ... » . وإذن فإن هذا الحديث - أي حديث المسئ صلاته - إنما جاء يعالج موضوعاً خاصاً فيُقْصر عليه ولا يعمُّ غيره، فيُستدل به على حالة من لا يحسن قراءة الفاتحة، أو من لا يحسن قراءة شئ من القرآن، فلا حُجَّة فيه لمن أراد الاستدلال به على عدم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة. لهذه النقاط الثلاث يتبين أن الاستدلال بحديث المسئ صلاته على عدم وجوب قراءة الفاتحة هو استدلال في غير محله وظاهر الخطأ، فينبغي العدول عنه والقول بوجوب قراءة الفاتحة.