ونأتي إلى مسألة كشف الجبهة واليدين في السجود فنقول: إن الأصل في السجود أن يسجد المسلم وهو كاشفٌ يديه وجبهته، فهذا ما كان عليه حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحال صحابته رضوان الله عليهم، فإذا خالف أحدهم الأصل نبَّهه - صلى الله عليه وسلم - فعاد إليه، من ذلك ما رُوي عن عياض بن عبد الله أنه قال «رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يسجد على كور العمامة، فأومأ بيده ارفعْ عمامتك» رواه ابن أبي شيبة. وروى صالح بن خيوان السبائي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يسجد إلى جنبه وقد اعتمَّ على جبهته، فحَسَرَ عن جبهته» رواه أبو داود. إلا أنه إن جاء حرٌّ شديد أو برد شديد بحيث كان السجود على الأرض يشق على الناس، فقد أجاز الشرع الحنيف عندئذٍ تغطية الجبهة واليدين، أو إلقاء شئ من الثياب على موضع السجود دفعاً للمشقة وتوسعةً على الناس، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال «كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتِّقاءَ الحرِّ» رواه البخاري والنَّسائي. ورواه أبو داود وأحمد بلفظ «كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحرِّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمَكِّن وجهَه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» . ورواه ابن ماجة وفيه « ... فإذا لم يقدر أحدنا ... » وإذن فإن وجود حائل بين الجبهة واليدين وبين الأرض مرهون بعدم الاستطاعة، أو بعدم القدرة أو بشدَّة الحرِّ، وكذلك هو مرهون بشدة البرد، كمن يصلي في ليلة زمهرير في العراء، أو كمن يسجد على الثلج، لما روى ابن عباس رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب واحد متوشِّحاً به يتقي بفُضُوله حرَّ الأرض وبردها» رواه أحمد. قوله يتَّقي بفضوله: أي يحمي نفسه من الحر والبرد بما فضل وزاد من ثوبه الذي يلبسه.