للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرواية ابن مسعود نُقلت من طرقٍ عديدةٍ زاد رُواتها على العشرين ومع ذلك جاءت كلها بالألفاظ نفسها دون أي اختلاف، فهذا مرجحٌ معتبرٌ لها على ما سواها من الروايات والألفاظ. فالقول بالتخيير لا ينفي القول بتفضيل إحداها على ما سواها. ومما يدعم القول أيضاً بتفضيل صيغة الخطاب على صيغة الغَيْبة ما يلي:

١- أن جميع رواة الأحاديث عبر العصور قد استمروا في رواية صيغة الخطاب دون أن يقيدوها بحياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانت حياته عليه الصلاة والسلام قيداًً لها لذكروه.

٢- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ذكر صيغة الخطاب على المنبر أمام الصحابة، وأن ذلك حصل منه بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكر عليه أحدٌ منهم، فقد جاء في الموطأ «عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلِّم الناس التشهد، يقول قولوا: التحياتُ لله، الزاكياتُ لله، الطيباتُ الصلواتُ لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» .

٣ - لم يُرو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد علَّم المسلمين صيغتين: صيغةً يقولونها وهو حيٌّ، وصيغةً يقولونها بعد موته، وإنما علمهم صيغة واحدة هي صيغة الخطاب، ولم يأمرهم بتركها والأخذ بصيغة الغيبة إذا مات.

لهذه الأسباب فإنَّا نذهب إلى تفضيل صيغة الخطاب على صيغة الغَيْبة، ونرى أن صيغة الغَيْبة ليست إلا اجتهاداًً من عدد من الصحابة يصح أخذه وتقليده كما يصح تركه، وأنا أقول بأولوية تركه.

<<  <  ج: ص:  >  >>