للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قضى صلاته وجلس الفترة التي أراد للذكر والدعاء، ثم نهض للانصراف فإنه بالخيار بين أن ينفتل يمنةً وبين أن ينفتل يسرةً، ولذلك فإن المسلم ينفتل إلى جهة حاجته لا يتقيد بجهة دون جهة، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب قائماً وقاعداً، ويصلي حافياً ومنتعلاً وينصرف عن يمينه وعن شماله» رواه النَّسائي والطبراني. وروى هُلْب رضي الله عنه «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤُمُّنا، فينصرف على جانبيه جميعاً، على يمينه وعلى شماله» رواه الترمذي. ورواه أبو داود وابن حِبَّان بلفظ «وكان ينصرف عن شقَّيه» . قال الترمذي (يُروى عن علي بن أبي طالب أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره) . وروى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال «لا يجعل أحدكم نصيباً للشيطان من صلاته أن لا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثرَ ما ينصرف عن شماله، قال عمارة: أتيت المدينة بعدُ، فرأيت منازل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يساره» . ورواه مسلم بلفظ «لا يجعلنَّ أحدُكم للشيطان من نفسه جزءاً، لا يرى إلا أنَّ حقَّاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، أكثر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن شماله» . وأنا لا أظن أن عبارة «أكثر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن شماله» قُصد منها الإحصاء وتغليبُ الانصراف عن الشمال على الانصراف عن اليمين، بقدر ما قُصد منها بيان أن الانصراف لم يكن تُلتَزَمُ فيه جهة اليمين، على ما يقول بذلك عدد من الناس، استدلالاً بقول أنس رضي الله عنه « ... أكثر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن يمينه» رواه مسلم وابن حِبَّان والنَّسائي. فقد جاءت رواية البخاري - وهو القمة بين المحدِّثين في الالتزام بألفاظ الحديث - هكذا «لا يجعلَنَّ أحدُكم للشيطان

<<  <  ج: ص:  >  >>