وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من خطبة الرجال ذهب إلى مُصلَّى النساء، فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة، أي أنه كان يخطب في الرجال ثم يذهب يخطب في النساء، كما جاء ذلك واضحاً في حديث مسلم وأحمد وأبي داود والنَّسائي من طريق جابر بن عبد الله المار قبل قليل «ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهن فقال: تصدَّقْن» . وكما جاء ذلك واضحاً أيضاً في حديث رواه البخاري من طريق ابن عباس رضي الله عنه قال «خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة» . وكذلك كان الخلفاء يفعلون.
ولما كان الحالُ في السابق لا يمكِّن الإمامَ من أن يُوصل صوته للنساء الجالسات في المؤخرة، أي خلف جموع الرجال الضخمة التي حضرت إلى المصلى من كل صوب، لشدة الحث على صلاة العيدين، كان الإمام ينزل إليهن ويقترب من جمعهن ويخطب فيهن، ولو كان صوته يصل إلى مسامع النساء لما احتاج إلى النزول إليهن. وقد جاء هذا المعنى فيما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال «أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَصلَّى قبل الخطبة، قال ثم خطب، فرأى أنه لم يُسمع النساء، فأتاهن فذكَّرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة، وبلال قائل بثوبه، فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخُرص والشئ» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والبيهقي. قوله الخُرص: أي الحلقة من الذهب أو الفضة، أو هو القُرط بحبة واحدة.
لهذا أقول إنه مع وجود مكبِّرات الصوت الآن، فإن الإمام يكفيه أن يوجِّه بعض كلامه إلى النساء دونما حاجة إلى النزول إليهن، أي يخصص الإمام جزءاً من خطبته لهنَّ.