للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما اختلف فيه الفقهاء من الأعداد اللازمة لوجوب صلاة الجمعة فكلها اجتهادات فقهية غير مستنبطة من نصوص صالحة للاستدلال على ما ذهبوا إليه، فلم يثبت في عدد الجمعة حديث، إذ لم يثبت في شئ من الأحاديث تعيين عدد مخصوص، أعني اشتراط عددٍ مخصوصٍ لصحّة انعقاد الجمعة، وما ورد في الأحاديث من ذِكر الأعداد فإنه لا يخلو من أن يكون قد وقع اتفاقاً - أي واقعةَ عين - ولم يقع شرطاً، أو يكون قد ورد في روايات ضعيفة لا تصلح للاستدلال، فمثلاً:

١- عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه «كان أسعد أوّل من جمّعَ بنا في المدينة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هزْمٍ من حَرَّةِ بني بياضة في نقيعٍ يقال له الخَضِمات، قلت: وكم أنتم يومئذٍ؟ قال: أربعون رجلاً» رواه البيهقي والدارقطني. قوله - في هَزْم - الهزم هو ما استوى من الأرض. وقوله - حرّة بني بياضة - الحرّة هي الأرض المغطاة بالحجارة السوداء، وحرّة بني بياضة تقع على بعد ميل واحد من المدينة. والنقيع: البئر الكثيرة الماء.

٢- عن جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عيرٌ من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبْقَ إلا اثنا عشرَ رجلاً» رواه مسلم والترمذي وأحمد.

فهذان النصَان ورد في أولها عدد الأربعين، وورد في ثانيهما عدد الاثني عشر، وقد ورد هذان العددان في النصين اتفاقاً ولم يردْ أيّ منهما كشرطٍ لوجوب الجمعة، وما يقع اتفاقاً لا يصلح مطلقاً ليكون شرطاً، فلا يؤخذ من هذين النصين أن صلاة الجمعة يشترط لها توفر الأربعين أو توفُّر الاثني عشر كما تقول الشافعية والمالكية والحنابلة. ومثلاً:

١- عن جابر قال «مضت السُّنَّة في كل ثلاثة إماماً وفي كل أربعين فما فوق جمعة وفطر وأضحى، وذلك أنهم جماعة» رواه أحمد والنسائي والدارقطني وابن حِبّان والبيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>