للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقول المشركين: إنَّه قد رجعَ إلى قبلتِنا، فيرجعُ إلى ملَّتِنا، هذا تمنٍّ منهم، وليس للإنسان ما تمنَّى، ويقال لهم: لم يرجع إلى قبلتِكم (١)، بل استقبلَها بأمرِ اللَّه الذي بعثَهُ إلى خلقِه، فأطاعَهُ فيما أمرَ (٢) به، حتَّى هجرَ أهلَه وقرابتَه وبلدَه؛ لابتغاء مرضاتِه، وهذا أوضحُ ما قيل فيه وأقواهُ وأعلاه.

وقيل: الاستثناءُ منقطعٌ هاهنا، ومعناه: لكن، كما في قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنّ} [النساء: ١٥٧]، وقولِه: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: ٦٢]، ومعنى هذه الآيةِ على هذا القول: لكن الذين ظلموا منهم يتعلَّقون بالشُّبهةِ في موضعِ الحُجَّة.

وقيل: أراد (٣) بالحجَّة المحاجَّة؛ أي: المجادلة، وتقديره: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ}؛ أي: لليهود، {عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} أي: محاجَّةٌ، إلَّا للظَّالمين منهم، فإنَّهم يُحاجُّونَكم بالباطل، وعلى هذا القول يكونُ الاستثناءُ متَّصلًا غيرَ منقطع (٤).

وقال أبو عبيدة (٥): {إِلَّا} هاهنا (٦) بمعنى: ولا (٧)، كما في قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} أي: ولا خطأ، قال الشاعر:


(١) بعدها في (ر): "من تلقاء نفسه".
(٢) في (أ): "أمره".
(٣) في (ف): "أردنا".
(٤) قوله: "غير منقطع" من (أ).
(٥) في (ر) و (ف): "عبد اللَّه" بدل: "عبيدة".
(٦) "هاهنا" من (أ).
(٧) نص قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" (١/ ٦٠): موضع "إلا" هاهنا ليس بموضع استثناء، إنما هو واو الموالاة، ومجازها: لئلا يكون للناس عليكم حجة وللذين ظلموا.