للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ} قيل: هو متَّصِلٌ بما قبلَه، وعليه وقعَ التَّشبيهُ، وهو قوله تعالى: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} أي: النِّعمةُ عليكم في أمرِ القِبلة كالنِّعمة بإرسال (١) محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيكم، وهو أحدُ قولَي الزَّجَّاج والفرَّاء (٢).

وقيل: معناه: كما أجبتُ دعوةَ إبراهيم: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} الآية [البقرة: ١٢٩]، فبَعثتُ محمَّدًا، فكذلك أجبتُ دعوتَه مع تلك الدعوة: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} فشرعت لهم الشرائعَ الحنيفيَّة السَّمحة؛ إتمامًا للنِّعمة.

وقال الحسنُ وابنُ أبي نَجيح ومجاهدٌ، وهو أحد قولَي الفرَّاء، واختيارُ الزَّجَّاج: هذا متَّصِلٌ بما بعدَه (٣). قال: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا} مِن أنفُسِكم يُعلِّمكم (٤) بعد الجهل، ويُطهِّرُكم، ويُوقِفُكم على معالم الدِّين، وهي نعمٌ توجِبُ الشُّكرَ، فاشكروا لي بذكرِ نعمتي، وأنا مع ذلك أذكركُم، فقوله: "اذكروني" يكون له جوابان؛ متقدِّمٌ، ومتأخِّرٌ، فجعلَ ذكرَهم شكرًا له (٥) للنِّعم الماضية، وإيجابًا لذكر اللَّه تعالى لهم بنعمٍ مستأنفة.

وقوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} هذا خطابٌ للعرب، وهذا الرَّسولُ محمَّدٌ عليه الصَّلاة والسَّلام. وتفسيرُ تلاوة


(١) في (ر) و (ف): "في إرسال".
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٢٢٧)، و"معاني القرآن" للفراء (١/ ٩٢).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٦٩٤) عن ابن أبي نجيح ومجاهد. وانظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٢٢٧)، و"معاني القرآن" للفراء (١/ ٩٢).
(٤) بعدها في (ر): "وهو قوله {فَاذْكُرُونِي} ".
(٥) "له" ليس في (أ)، وفي (ف): "لهم".