تلك التأويلاتِ الفاسدةِ فضلالٌ وانحرافٌ عن الصَّواب، فهو يردُّ على الجهميَّةِ والجَبْريَّة والكرَّاميَّة والمعتزلةِ وغيرهم.
فمن ردِّه على الكرَّامية: ما جاء عند قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ}[البقرة: ٨] قال المؤلفُ: أخبرَ عنهم أنهم يدَّعون ذلك، ثم قال:{وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}؛ أي: ليسوا بمؤمنين، فنَفَى الإيمانَ عنهم لأنه لم يكن في قلوبهم، وقد قال اللَّه تعالى:{مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}[المائدة: ٤١]، وقال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}[الحجرات: ١٤]، وبَطَل بهذا قولُ الكرَّامية: إنه مجرَّد الإقرار، فإن المنافقين أقرُّوا بذلك واللَّه تعالى نفَى عنهم ذلك.
وردَّ مذهب الجبرية والقدرية: وذلك في قوله: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[البقرة: ١٥].
فقال: في الآيةِ دليلُ أهل السُّنَّة والجماعة، فإنه قال:{وَيَمُدُّهُمْ}، وهو إثباتُ فعلِ نفسِه، وقال:{فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وهو إثباتُ فعلِ العبد، فدلَّ على أنَّ العبدَ فاعلٌ، واللَّهَ تعالى لفعل العبد خالقٌ، وبطَل قولُ الجبرية أنْ لا فعلَ للعبد، وقولُ القدريَّة أنْ لا صنعَ للَّه في فعل العبد.
وعلى الإباحية من جهلة الصوفية: في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ}[البقرة: ٢٩] فقال: ثم إنَّ أهلَ الإباحة مِن المتصوِّفة الجَهَلةِ حملوا اللامَ في قوله: {لَكُمْ} على الإطلاق، والإباحةَ على الإطلاق، وقالوا: لا حَجْر ولا حَظْر، ولا نهيَ ولا أَمْرَ، وإذا تحقَّقت المعرفةُ وتأكَّدت المحبَّةُ، سقطت الخدمةُ وزالت الحرمةُ، فالحبيبُ لا يُكلِّف حبيبَه ما يُتعبه، ولا يَمنعه ما يُريده ويَطلبه، وهذا منهم كفرٌ صُراح، وخروجٌ مِن الإيمان بإفصاح، فقد نهى اللَّهُ تعالى وأَمَر، وأباح وحظر،