ووعد وأَوعد، وبشَّر وهدَّد، والنصوصُ ظاهرة، والدلائلُ متظاهرة، فمَن حَمل هذه الآيةَ على الإباحة المطلَقة، فقد انسلخَ مِن الدِّين بالكليَّة، فالمحملُ الصحيحُ ما قاله ابنُ عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: خَلَق لمنافعكم ومصالحكم.
وردَّ مذهب الجهميَّة بأبسطِ طريق: وذلك عند قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٣٨ - ٣٩] فقال: وفي الآيتين نقضُ قولِ الجهميَّة: أنَّ الجنَّة والنَّار يَفنيان ويَنقطع ما فيهما، فإنَّ اللَّه تعالى نفى الخوف والحزنَ عنهم، ولو كانتا تَفْنيَان لكان لأهل الجنَّة أشدُّ الخوف والحزن.
وردَّ على الرافضة بالدليلِ الذي لا مَدْفعَ له: وذلك في قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}[النساء: ٣] فقال: وتعلَّقت الروافضُ بظاهرها لإباحةِ الجمع بين تسعِ نسوةٍ، فإنَّه ذُكر بالواو لا بـ (أو)، وذلك للجمع.
لكنَّا نقول: هذا على البدلِ دون الجمع في حالةٍ واحدةٍ؛ أي: فانكحوا مثنى، وانكحوا ثُلاثَ، بدل مثنَى، وانكحوا رُباع، بدل مثنَى وثلاثَ.
والدَّليل على أنَّ المراد هذا لا غيره: أنَّه لو قيل هذا في الأمر بشيءِ آخرَ لم يكنْ إلَّا على هذا الوجه، فإنَّه إذا قيل لقوم: ادخلوا الدَّار مثنَى وثُلاثَ ورُباعَ، لم يكن أمرًا بدخول تسعةٍ منهم جملةً في حالةٍ، بل هو أمرٌ لهم أن يدخلوا اثنين اثنين، ولهم أن يدخلوا بدلَ ذلك ثلاثةً ثلاثةً، ولهم أن يدخلوا بدلَ ذلك أربعةً أربعةً، وكذا في كلِّ موضعِ، هذا هو قضيَّة اللُّغة.
وفي موضع آخر: وقالت الروافضُ في قوله: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}: لا